سورة النحل - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


استعتبت الرجل بمعنى أعتبته أي: أزلت عنه ما يعتب عليه ويلام، والاسم العتبى، وجاءت استفعل بمعنى أفعل نحو استدينته وأدينته.
{ويوم نبعث من كل أمة شهيداً ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}: لما ذكر إنكارهم لنعمة الله تعالى، ذكر حال يوم القيامة حيث لا ينفع فيه الإنكار على سبيل الوعيد لهم بذلك اليوم. وانتصب يوم بإضمار اذكر قاله: الحوفي، والزمخشري، وابن عطية، وأبو البقاء. وقال الزمخشري: أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه. وقال الطبري: هو معطوف على ظرف محذوف العامل فيه: ثم ينكرونها، أي ينكرونها اليوم. ويوم نبعث أي: ينكرون كفرهم، فيكذبهم الشهيد، والشهيد نبي تلك الأمة يشهد عليهم بإيمانهم وبكفرهم، ومتعلق الأذن محذوف. فقيل: في الرجوع إلى دار الدنيا. وقيل: في الكلام والاعتذار كما قال: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم} فيعتذرون أي بعد شهادة أنبيائهم عليهم، وإلا فقبل ذلك تجادل كل أمة عن نفسه. وجاء كلامهم في ذلك، ولكنها مواطن يتكلمون في بعضها ولا ينطقون في بعضها ولا هم يستعتبون أي: مزال عنهم العتب. وقال قوم: معناه لا يسألون أن يرجعوا عن ما كانوا عليه في الدنيا، فهذا استعتاب معناه طلب عتباهم، ونحوه قول من قال: ولا هم يسترضون أي: لا يقال لهم ارضوا ربكم، لأنّ الآخرة ليست بدار عمل قاله الزمخشري. وقال الطبري: معناه يعطون الرجوع إلى الدنيا فيقع منهم توبة وعمل.
قال الزمخشري: (فإن قلت): فما معنى ثم هذه؟ (قلت): معناها انهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منه، وأنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة، ولا إدلاء بحجة انتهى. ولما كانت حالة العذاب في الدنيا مخالفة لحال الآخرة إذ من رأى العذاب في الدنيا رجا أن يؤخر عنه، وإن وقع فيه أن يخفف عنه، أخبر تعالى أن عذاب الآخرة لا يكون فيه تخفيف ولا نظرة. والظاهر أنّ جواب إذا قوله فلا يخفف، وهو على إضمار هو أي: فهو لا يخفف، لأنه لولا تقدير الإضمار لم تدخل الفاء، لأن جواب إذا إذا كان مضارعاً لا يحتاج إلى دخول الفاء، سواء كان موجباً أم منفياً، كما قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} وتقول: إذا جاء زيد لا يجيء عمرو. قال الحوفي: فلا يخفف جواب إذا، وهو العامل في إذا، وقد تقدم لنا أنّ ما تقدم فاء الجواب في غير أما لا تعمل فيما قبله، وبينا أنّ العامل في إذا الفعل الذي يليها كسائر أدوات الشرط، وإن كان ليس قول الجمهور. وجعل الزمخشري جواب إذا محذوفاً فقال: وقد قدر العامل في يوم نبعث مجزوماً قال: ويوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك وإذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم فلا يخفف ولا هم ينظرون كقوله: {بل تأتيهم بغتة} فتبهتهم الآية انتهى. والظاهر أن قوله: شركاءهم، عام في كل من اتخذوه شريكاً لله من صنم ووثن وآدمي وشيطان وملك، فيكذبهم من له منهم عقل، فيكون: فألقوا عائداً على من له الكلام، ويجوز أن يكون عاماً ينطق الله تعالى بقدرته الأوثان والأصنام. وإضافة الشركاء إليهم على هذا القول لكونهم هم الذين جعلوهم شركاء لله. وقال الحسن: شركاؤهم الشياطين، شركوهم في الأموال والأولاد كقوله تعالى: {وشاركهم في الأموال والأولاد} وقيل: شركاؤهم في الكفر. وعلى القول الأول شركاؤهم في أنْ اتخذوهم آلهة مع الله وعبدوهم، أو شركاؤهم في أنْ جعلوا لهم نصيباً من أموالهم وأنعامهم، والظاهر أنّ القول منسوب إليهم حقيقة. وقيل: منسوب إلى جوارحهم، لأنهم لما أنكروا الإشراك بقولهم: {إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} أصمت الله ألسنتهم وأنطق جوارحهم. ومعنى: تدعو، ونعبد قالوا ذلك رجاء أن يشركوا معهم في العذاب، إذ يحصل التأسي، أو اعتذاراً عن كفرهم إذ زين لهم الشيطان ذلك وحملهم عليه، إن كان الشركاء هم الشياطين. وقال أبو مسلم الأصبهاني. قالوا: ذلك إحالة هذا الذنب على تلك الأصنام، وظناً أن ذلك ينجيهم من عذاب الله أو من عذابهم، فعند ذلك تكذيبهم تلك الأصنام. وقال القاضي: هذا بعيد، لأنّ الكفار يعلمون علماً ضرورياً في الآخرة أن العذاب سينزل بهم، ولا نصرة، ولا فدية، ولا شفاعة. وتقدم الإخبار بأنهم شركاء، والإخبار أنهم كانوا يدعونهم: أي يعبدونهم، فاحتمل التذكيب أن يكون عائداً للإخبار الأول أي: لسنا شركاء لله في العبادة، ولا آلهة نزهوا الله تعالى عن أن يكونوا شركاء له. واحتمل أن يكون عائداً على الإخبار الثاني وهو العبادة، لما لم يكونوا راضين بالعبادة جعلوا عبادتهم كلا عبادة، أو لما لم يدعوهم إلى العبادة. ألا ترى أنّ الأصنام والأوثان لا شعور لها بالعبادة، فضلاً عن أن يدعو وإن من عبد من صالحي المؤمنين والملائكة، لم يدع إلى عبادته. وإن كان الشركاء الشياطين جاز أن يكونوا كاذبين في إخبارهم بكذب من عبدهم، كما كذب إبليس في قوله: {إني كفرت بما اشركتمون من قبل} والضمير في فألقوا إلى الله فألقوا عائد على الذين أشركوا، قاله الأكثرون. والسلم: الاستسلام والانقياد لحكم الله بعد الإباء والاستكبار في الدنيا، فلم يكن لهم إذ ذاك حيلة ولا دفع. وروى يعقوب عن أبي عمرو: السلم بإسكان اللام. وقرأ مجاهد: بضم السين واللام. وقيل: الضمير عائد على الذين أشركوا، وشركائهم كلهم. قال الكلبي: استسلموا منقادين لحكمه، والضمير في وضلوا عائد على الذين أشركوا خاصة أي: وبطل عنهم ما كانوا يفترون من أنّ لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرأوا منهم، والظاهر أنّ الذين مبتدأ وزدناهم الخبر. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون قوله: الذين، بدلاً من الضمير في يفترون. وزدناهم فعل مستأنف إخباره. وصدوا عن سبيل الله أي: غيرهم زدناهم عذاباً بسبب الصد فوق العذاب، أي: الذي ترتب لهم على الكفر ضاعفوا كفرهم، فضاعف الله عقابهم. وهذا المزيد عن ابن مسعود عقارب كأمثال النخل الطوال، وعنه: حيات كأمثال الفيلة، وعقارب كأمثال البغال. وعن ابن عباس: أنها من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها، وعن الزجاج: يخرجون من حر النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النار، وعلل تلك الزيادة بكونهم مفسدين غيرهم، وحاملين على الكفر. وفي كل أمة فيها منها حذف في السابق من أنفسهم وأثبته هنا وحذف هناك في وأثبته هنا، والمعنى في كليهما: أنه يبعث الله أنبياء الأمم فيهم منهم، والخطاب في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، والإشارة بهؤلاء إلى أمته. وقال ابن عطية: ويجوز أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الرسل. وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحداً على معصية فانهه، فإنْ أطاعك وإلا كنت عليه شهيداً يوم القيامة انتهى. وكان الشهيد من أنفسهم، لأنه كان كذلك حين أرسل إليهم في الدنيا من أنفسهم. وقال الأصم أبو بكر المراد الشهيد هو أنه تعالى ينطق عشرة من أجزاء الإنسان حتى تشهد عليه، لأنه قال في صفة الشهيد من أنفسهم، وهذا بعيد لمقابلته بقوله: وجئنا بك شهيداً على هؤلاء، فيقتضي المقابلة أنّ الشهداء على الأمم أنبياؤهم كرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونزلنا استئناف إخبار، وليس داخلاً مع ما قبله لاختلاف الزمانين. لما ذكر ما شرفه الله به من الشهادة على أمته، ذكر ما أنزل عليه مما فيه بيان كل شيء من أمور الدين، ليزيح بذلك علتهم فيما كلفوا، فلا حجة لهم ولا معذرة. والظاهر أنّ تبياناً مصدر جاء على تفعال، وإن كان باب المصادر أن يجيء على تفعال بالفتح كالترداد والتطواف، ونظير تبيان في كسر تائه تلقاء. وقد جوّز الزجاج فتحه في غير القرآن. وقال ابن عطية: تبياناً اسم وليس بمصدر، وهو قول أكثر النحاة.
وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين: أنه مصدر ولم يجيء على تفعال من المصادر إلا ضربان: تبيان وتلقاء.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء؟ (قلت): المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها وإحالة على السنة، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته. وقيل: {وما ينطق عن الهوى} وحثاً على الإجماع في قوله {ويتبع غير سبيل المؤمنين} وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد اجتهدوا، وقاسوا، ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء. وقوله: وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في إبطال الرأي، والقياس، والاستحسان، والتعليل، والقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصلح قط، وذكر إسناده إلى البزار صاحب المسند قال: سألتم عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما مثل أصحابي كمثل النجوم أو كالنجوم، بأيها اقتدوا اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لأن أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه. والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، هذا نص كلام البزار. قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب خبيث ليس بشيء. وقال البخاري: هو متروك، رواه أيضاً حمزة الجزري، وحمزة هذا ساقط متروك. ونصبوا تبياناً على الحال. ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله. وللمسلمين متعلق ببشرى ومن حيث المعنى هو متعلق بهدى ورحمة.


النقض ضد الإبرام، وفي الجرم فك أجزائه بعضها من بعض. التوكيد: التثبيت ويقال: توكيد، وتأكيد، وهما لغتان. وزعم الزجاج أنّ الهمزة بدل من الواو، ولبس بجيد. لأن التصريف جاء في التركيبين فدل على أنهما أصلان. الغزل: معروف، وفعله غزل يغزل بكسر الزاي غزلاً، وأطلق المصدر على المغزول.
{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}: عن ابن عباس في حديث فيه طول منه: أن عثمان بن مظعون كان جليس النبي صلى الله عليه وسلم وقتاً فقال له: عثمان ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟ قال: «وما رأيتني فعلت؟» قال: شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته على يمينك فتحرفت عني إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك قال: أو فطنت لذلك؟ أتاني رسول الله آنفاً وأنت جالس قال: فماذا قال لك: قال لي: {إن الله يأمر بالعدل}: الآية. قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي، فأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم لما ذكر الله تعالى. ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وصل به ما يقتضي التكاليف فرضاً ونفلاً وأخلاقاً وآداباً. والعدل فعل كل مفروض من عقائد، وشرائع، وسير مع الناس في أداء الأمانات، وترك الظلم والإنصاف، وإعطاء الحق والإحسان فعل كل مندوب إليه قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: العدل هو الواجب، لأن الله عز وجل عدل فيه على عباده، فجعل ما فرضه عليهم واقعاً تحت طاقتهم. والإحسان الندب، وإنما علق أمره بهم جميعاً، لأنّ الفرض لا بد أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب انتهى. وفي قوله: تحت طاقتهم، نزغة الاعتزال. وعن ابن عباس: العدل لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض. وعنه أيضاً أنّ العدل هو الحق. وعن سفيان بن عيينة: أنه أسوأ السريرة والعلانية في العمل. وذكر الماوردي أنه القضاء بالحق قال تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وقال أبو سليمان: العدل في لسان العرب الانصاف. وقيل: خلع الأنداد. وقيل: العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال. وإيتاء ذي القربى: هو صلة الرحم، وهو مندرج تحت الإحسان، لكنه نبه عليه اهتماماً به وحضاً على الإحسان إليه. والفحشاء: الزنا، أو ما شنعته ظاهرة من المعاصي. وفاعلها أبداً مستتر بها، أو القبيح من فعل أو قول، أو البخل، أو موجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، أو مجاوزة حدود الله أقوال، أولها لابن عباس.
والمنكر: الشرك عن مقاتل، أو ما وعد عليه بالنار عن ابن السائب، أو مخالفة السريرة للعلانية عن ابن عيينة، أو ما لا يوجب الحد في الدنيا لكن العذاب في الآخرة. أو ما تنكره العقول أقوال، ويظهر أنه أعم من الفحشاء لاشتماله على المعاصي والرذائل والبغي: التطاول بالظلم والسعاية فيه، وهو داخل في المنكر، ونبه عليه اهتماماً باجتنابه. وجمع في المأمور به والمنهي عنه بين ما يجب ويندب، وما يحرم ويكره، لاشتراك ذلك في قدر مشترك وهو الطلب في الأمر، والترك في النهي.
وقال أبو عبد الله الرازي: أمر بثلاثة، ونهى عن ثلاثة. فالعدل التوسط بين الإفراط والتفريط، وذلك في العقائد وأعمال الرعاة. فقال ابن عباس: العدل لا إله إلا الله، وهو إثبات الإله الواحد، فليس تعطيلاً محضاً ولا إثبات أكثر من إله. وإثبات كونه عالماً قادراً واجب الصفات فليس نفياً للصفات، ولا إثبات صفة حادثة متغيرة. وكون فعل العبد بواسطة قدرته تعالى، والداعية التي جعلها فيه فليس جبراً محضاً، ولا استقلالاً بالفعل. وكونه تعالى يخرج من النار من دخلها من أهل التوحيد، فليس إرجاء ولا تخليداً بالمعصية. وأما أعمال الرعاة فالتكاليف اللازمة لهم، فليس قولاً بأنه لا تكليف، ولا قولاً بتعذيب النفس واجتناب ما يميل الطبع إليه من: أكل الطيب، والتزوج، ورمي نفسه من شاهق، والقصاص، أو الدية، أو العفو، فليس تشديداً في تعيين القصاص كشريعة موسى عليه السلام، ولا عفواً حتماً كشريعة عيسى عليه السلام، وتجنب الحائض في اجتناب وطئها فقط فليس اجتناباً مطلقاً كشريعة موسى عليه السلام، ولا حل وطئها حالة الحيض كشريعة عيسى عليه السلام، والاختتان فليس إبقاء للقلفة ولا قطعاً للآلة كما ذهب إليه المانوية. وقال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} {والذين إذا أنفقوا} ولا تجعل الآيتين. ومن المشهور قولهم بالعدل: قامت السموات والأرض، ومعناه: إن مقادير العناصر لو لم تكن متعادلة، وكان بعضها أزيد، لغلب الازدياد وانقلبت الطبائع. فالشمس لو قربت من العالم لعظمت السخونة واحترق ما فيه، ولو زاد بعدها لاستوى الحر والبرد. وكذا مقادير حركات الكواكب، ومراتب سرعتها، وبطئها. والإحسان: الزيادة على الواجب من الطاعات بحسب الكمية والكيفية، والدواعي، والصوارف، والاستغراق في شهود مقامات العبودية والربوبية. ومن الإحسان الشفقة على الخلق، وأصلها صلة الرحم، والمنهي عنه ثلاثة. وذلك أنه أودع في النفس البشرية قوى أربعة: الشهوانية وهي تحصيل اللذات، والغضبية وهي: إيصال الشر، ووهمية: وهي شيطانية تسعى في الترفع والتراوس على الناس. فالفحشاء ما نشأ عن القوّة الشهوانية الخارجة عن أدب الشريعة، والمنكر ما نشأ عن الغضبية، والبغي ما نشأ عن الوهمية انتهى ما تخلص من كلامه عفا الله عنه.
ولما أمر تعالى بتلك الثلاث، ونهى عن تلك الثلاث قال: يعظكم به، أي بما ذكر تعالى من أمر ونهي، والمعنى: ينبهكم أحسن تنبيه لعلكم تذكرون أي: تتنبهون لما أمرتم به ونهيتم عنه، وعقد الله علم لما عقده الإنسان والتزمه مما يوافق الشريعة. وقال الزمخشري: هي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} وكأنه لحظ ما قيل أنها نزلت في الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، رواه عن بريدة. وقال قتادة ومجاهد: فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وقال ميمون بن مهران: الوفاء لمن عاهدته مسلماً كان أو كافراً، فإنما العهد لله. وقال الأصم: الجهاد وما فرض في الأموال من حق. وقيل: اليمين بالله، ولا تنقضوا العهود الموثقة بالإيمان، نهى عن نقضها تهمماً بها بعد توكيدها أي: توثيقها باسم الله وكفالة الله وشهادته، ومراقبته، لأن الكفيل مراع لحال المكفول به. ولا تكونوا أي: في نقض العهد بعد توكيده بالله كالمرأة الورهاء تبرم فتل غزلها ثم تنقضه نكثاً، وهو ما يحل فتله. والتشبيه لا يقتضي تعيين المشبه به. وقال السدي، وعبد الله بن كثير: هي امرأة حمقاء كانت بمكة. وعن الكلبي ومقاتل: هي من قريش خرقاء اسمها ريطة بنت سعد بن تيم، تلقب بجفراء، اتخذت مغزلاً قدر ذراع، وصنارة مثل أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وعن مجاهد: هذا فعل نساء أهل نجد، تنقض إحداهن غزلها ثم تنفشه، وتخلطه بالصوف فتغزله. وقال ابن الأنباري: ريطة بنت عمرو المرية، ولقبها الجفراء من أهل مكة، وكانت معروفة عند المخاطبين. والظاهر أنّ المراد بقوله: من بعد قوّة أي: شدة حدثت من تركيب قوى الغزل. ولو قدرناها واحدة القوى لم تكن تنتقض أنكاثاً. والنكث في اللغة الحبل إذا انتقضت قواه. وقال مجاهد: المعنى من بعد إمرار قوة. والدخل: الفساد والدغل، جعلوا الإيمان ذريعة إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن، فيمكن الحالف ضره بما يريده. قالوا: نزلت في العرب كانوا إذا حالفوا قبيلة فجاء أكثر منها عدداً حالفوه وغدروا بالتي كانت أقل. وقيل: أن تكونوا أنتم أزيد خبراً، فأسند إلى أمة، والمراد المخاطبون. وقال ابن بحر: الدخل والداخل في الشيء لم تكن منه، ودخلاً مفعول ثان. وقيل: مفعول من أجله، وأن تكون أي: بسبب أن تكون وهي أربى مبتدأ وخبر. وأجاز الكوفيون أن تكون هي عماداً يعنون فضلاً، فيكون أربى في موضع نصب، ولا يجوز ذلك عند البصريين لتنكير أمة. والضمير في به عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أي: بسبب كون أمة أربى من أمة يختبركم بذلك. قال الزمخشري: لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من أيمان البيعة للرسول صلى الله عليه وسلم، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقوتهم وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم وليبينن لكم: إنذار وتحذير من مخالفة ملة الإسلام انتهى. وقيل: يعود على الوفاء بالعهد. وقال ابن جبير، وابن السائب، ومقاتل: يعود على الكثرة. قال ابن الأنباري: لما كان تأنيثها غير حقيقي حمل على معنى التذكير، كما حملت الصيحة على الصياح.


نفذ الشيء ينفذ فنى.
{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}: هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة، ابتلى الناس بالأمر والنهي ليذهب كل إلى ما يسر له، وذلك لحق الملك لا يسأل عما يفعل. ولو شاء لكانوا كلهم على طريق واحدة، إما هدى، وإما ضلالة، ولكنه فرق، فناس للسعادة، وناس للشقاوة. فخلق الهدى والضلال، وتوعد بالسؤال عن العمل، وهو سؤال توبيخ لا سؤال تفهم، وسؤال التفهم هو المنفى في آيات. ومذهب المعتزلة أن هذه المشيئة مشيئة قهر. قال العسكري: المراد أنه قادر على أن يجمعكم على الإسلام قهراً، فلم يفعل ذلك، وخلقكم ليعذب من يشاء على معصيته، ويثيب من يشاء على طاعته، ولا يشاء شيئاً من ذلك إلا أن يستحقه. ويجوز أن يكون المعنى: أنه لو شاء خلقكم في الجنة، ولكن لم يفعل ذلك ليثيب المطيعين منكم، ويعذب العصاة.
ثم قال: ولتسألن عما كنتم تعملون يعني: سؤال المحاسبة والمجازاة. وفيه دليل على أنّ الإضلال في الآية العقاب، ولو كان الإضلال عن الدين لم يكن لسؤاله إياهم معنى. وقال الزمخشري: أمة واحدة حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار، وهو قادر على ذلك، ولكن الحكمة اقتضت أن يضل من يشاء، وهو أن يخذل من علم أنه يختار الكفر ويصمم عليه، ويهدي من يشاء وهو أنْ يلطف بمن علم الله أنه يختار الإيمان، يعني: أنه بنى الأمر على الاختيار، وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب، ولم ينبه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك، وحققه بقوله: ولتسألن عما كنتم تعملون. ولو كان هذا المضطر إلى الضلال والاهتداء، لما أثبت لهم عملاً يسألون عنه انتهى. قالوا: كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلاً تهمماً بذلك، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين. قال ابن عطية: وتردده في معاملات الناس. وقال الزمخشري: تأكيداً عليهم، وإظهار العظم ما يرتكب منه انتهى. وقيل: إنما كرر لاختلاف المعنيين: لأن الأول نهى فيه عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة، وهنا نهي عن الدخل في الإيمان التي يراد بها اقتطاع حقوق، فكأنه قال: دخلاً بينكم لتتوصلوا بها إلى قطع أموال المسلمين، وأقول: لم يتكرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلاً، وإنما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلاً معللاً بشيء خاص وهو: أن تكون أمة هي أربى من أمة.
وجاء النهي بقوله: ولا تتخذوا، استئناف إنشاء عن اتخاذ الإيمان دخلاً على العموم، فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة، وقطع الحقوق المالية، وغير ذلك. وانتصب فتزل على جواب النهي، وهو استعارة لمن كان مستقيماً ووقع في أمر عظيم وسقط، لأنّ القدم إذا زلت تقلب الإنسان من حال خير إلى حال شر. وقال كثير: فلما توافينا ثبت وزلت. قال الزمخشري: فنزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها. (فإن قلت): لم وجدت القدم ونكرت؟ (قلت): لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة انتهى؟ ونقول: الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع، وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد، فإذا لوحظ فيه المجموع كان الإسناد معتبراً فيه الجمعية، وإذا لوحظ كل فرد فرد كان الإسناد مطابقاً للفظ الجمع كثيراً، فيجمع ما أسند إليه، ومطابقاً لكل فرد فرد فيفرد كقوله: {وأعتدت لهن متكأ} أفرد متكأ لما كان لوحظ في قوله لهن معنى لكل واحدة، ولو جاء مراداً به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع المتكأ، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يحمل قول الشاعر:
فإني وجدت الضامرين متاعهم *** يموت ويفنى فارضخي من وعائيا
أي: رأيت كل ضامر. ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى. ولما كان المعنى هنا: لا يتخذ كل واحد منكم، جاء فنزل قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال: وتذوقوا، مراعاة للمجموع، أو للفظ الجمع على الوجه الكثير. إذا قلنا: إن الإسناد لكل فرد فرد، فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلاً باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد، ودل على ذلك بإفراد قدم وبجمع الضمير في: وتذوقوا. وما مصدرية في بما صددتم، أي: بصدودكم أو بصدكم غيركم، لأنهم لو نقضوا الأيمان وارتدوا لاتخذ نقضها سنة لغيرهم فيسبون بها، وذوق السوء في الدنيا. ولكم عذاب عظيم أي: في الآخرة. والسوء: ما يسوءهم من قتل، ونهب، وأسر، وجلاء، وغير ذلك مما يسوء.
قال ابن عطية: وقوله صددتم عن سبيل الله، يدل على أنّ الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فسر الزمخشري قال: لأنهم قد نقضوا أيمان البيعة. ولا يدل على ذلك لخصوصه، بل نقض الأيمان في البيعة مندرج في العموم. ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً، هذا نهي عن نقض ما بين الله تعالى والعبد لأخذ حطام من عرض الدنيا. قال الزمخشري: كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم إنْ رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله.
ولا تشتروا: ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله ثمناً قليلاً عرضاً من الدنيا يسيراً، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أنّ ما عند الله من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة خير لكم. وقال ابن عطية: هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، وينقضي عنها، والتي في الآخرة باقية دائمة. ودل قوله: وما عند الله باق، على أن نعيم الجنة لا ينقطع، وفي ذلك حجة على جهم بن صفوان إذ زعم أن نعيم الجنة منقطع. وقرأ عاصم، وابن كثير: ولنجزين بالنون، وباقي السبعة بالياء. وصبروا: أي جاهدوا أنفسهم على ميثاق الإسلام وأذى الكفار، وترك المعاصي، وكسب المال بالوجه الذي لا يحل بأحسن ما كانوا يعملون. قيل: من التنفل بالطاعات، وكانت أحسن لأنها لم يحتم فعلها، فكان الإنسان يأتي بالتنفلات مختاراً غير ملزوم بها. وقيل: ذكر الأحسن ترغيباً في عمله، وإن كانت المجازاة على الحسن والأحسن. وقيل: الأحسن هنا بمعنى الحسن، فليس أفعل التي للتفضيل. والذي يظهر أنّ المراد بالأحسن هنا الصبر أي: وليجزين الذين صبروا بصبرهم أي: بجزاء صبرهم، وجعل الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه، فالصبر هو رأسها، فكان الأحسن لذلك. ومن صالحة للمفرد والمذكر وفروعهما. لكن يتبادر إلى الذهن الإفراد والتذكير، فبين بالنوعين ليعم الوعد كليهما. وهو مؤمن: جملة حالية، والإيمان شرط في العمل الصالح مخصص لقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} أو يراد بمثقال ذرة من إيمان، كما جاء في من يخرج من النار من عصاة المؤمنين، والظاهر من قوله تعالى: فلنحيينه حياة طيبة، أنّ ذلك في الدنيا وهو قول الجمهور؛ ويدل عليه قوله: ولنجزينهم أجرهم يعني في الآخرة، وقال الحسن، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، وابن زيد: ذلك في الجنة. وقال شريك: في القبر. وقال عليّ، ووهب بن منبه، وابن عباس، والحسن في رواية عنهما هي: القناعة، وعن ابن عباس والضحاك: الرزق الحلال، وعنه أيضاً: السعادة. وقال عكرمة: الطاعة. وقال قتادة: الرزق في يوم بيوم، وقال إسماعيل بن إبي خالد: الرزق الطيب والعمل الصالح، وقال أبو بكر الورّاق: حلاوة الطاعة، وقيل: العافية والكفاية، وقيل: الرضا بالقضاء، ذكرهما الماوردي. وقال الزمخشري: المؤمن مع العمل الصالح إنْ كان موسراً فلا مقال فيه، وإن كان معسراً فمعه ما يطيب عيشه، وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى.
والفاجر إن كان معسراً فلا إشكال في أمره، وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. وقال ابن عطية: طيب الحياة للصالحين بانبساط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذ، وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة وقناعة فذاك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرنا راتب. وعاد الضمير في فلنحيينه على لفظه من مفرداً، وفي ولنجزينهم على معناها من الجمع، فجمع. وروي عن نافع: وليجزينهم بالياء بدل النون، التفت من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة. وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفاً على فلنحيينه، فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية، وكلتاهما محذوفتان. ولا يكون من عطف جواب على جواب، لتغاير الإسناد، وإفضاء الثاني إلى إخبار المتكلم عن نفسه بإخبار الغائب، وذلك لا يجوز. فعلى هذا لا يجوز: زيد قلت والله لأضربن هنداً ولينفينها، يريد ولينفيها زيد. فإنْ جعلته على إضمار قسم ثان جاز أي: وقال زيد لينفينها لأن، لك في هذا التركيب أن تحكى لفظه، وأن تحكى على المعنى. فمن الأول: {وليحلفن بالله إن أردنا إلا الحسنى} ومن الثاني: {يحلفون بالله ما قالوا} ولو جاء على اللفظ لكان ما قلنا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9